الطريق المحتوم
السير الطويل والمحفوف بالمخاطر كالكسور ،الاضظرابات ،التوتر ،القلق ،البعد ،الاقتراب ،الضيق ،الأمل ..اليأس ...التهور ...الحماقة ....القبح..الطيبة كل الخلائط التي تشكل مضمون إنسان عايش الواقع بمساوئه وايجابياته...
كلها مفاهيم شعروا بها وعاشوها وتقاسموها من دون أن يعرفوا السبب الذي يدفع بكل واحد منهما لتحمل أعباء وهموم الطرف الأخر.
رغم أن السير كان طبيعيا والأمور بينهما كانت على مايرام إلى أن الطريق أصبح يحيد عن مبتغاه .
ليس كل مايتمناه المرء يدركه مقولة لطالما رددناه متحسرين على أحلام طمحنا إليها وفشلنا في تحقيقها.
الغريب أن -سيرا- رغم حنتكها ، وفطنتها لم تدرك أنهاستكون غزالة الأسد بكل ما يحمل هذا المخلوق من معاني القوة والضعف في آن واحد ،لم يحميها ذكاؤها منه ، فاندفاعه صوبها لم يكن تصرفا عشوائيا بل كان مدروسا جيدا
وله غاية وهدف كسابق عهده مع من طرق أبوابهم ، وتركهم يركضون خلف الأوهام .
لا أحد من ضحاياه كان يعرف مايصبو إليه ذلك الوالج اليهم .لا احد يعرف نيته ففي عالم واسع الأفق مزين بأرقى الكلام وأطيب الطباع يصعب التكهن بنوعية الشخصية التي أنت في صدد التعامل معها ، وفي وضع كهذا لا يسعنا سوى اتباع قلوبنا، فعادة القلوب الطيبة كثيرا ماتجذب الناس إليها، لأن هالة التواصل لديها كبيرة .
لكن -سيرا- كانت تعرف تماما مايريده هذا الفتى الشارد،فالحوار الهادف الصريح كفيل بأن يظهر لك بعض الأسرار حتى وإن كان الطرف الأخر يغض الطرف عنها ولم يتطرق إليها إلى أنها كانت تعرف أن مايرغب فيه يكمن في تلك الطاقة التي يراها الوقود الذي يعينه على مشواره الطويل المتعب للجسد والمرهق للوجدان.
فطموحه وتوقه إلى المعرفة كان مرتبط باختراقه للأنفس والتوغل فيها بقدر يسمح له بامتصاص قدراتها وتحويلها إلى طاقة تضاف إلى رصيده .
كان يجد في هذه الطريقة مصدر للعلم والتعلم وفي نفس الوقت دعما لمواطن الثقة في ذاته ،فبقدر معرفته للأشخاص بإختلاف ثقافتهم ومشاربهم بقدر ماازدادت خبرته ، وتوسعت مداركه من دون عناء أو تعب.
هذه الفكرة سيطرت عليه ،ولغت الكثير من النقاط الأساسية في تكوينه لأي علاقة إنسانية ،فأصبح هاجسه الوحيد كيف يستمتع بإثبات وجوده ،وفي نفس الوقت يوسع دائرة الفهم والتقبل والادارك لديه من خلال تبادله للأفكار مع أشخاص يختلفون عنه من ناحية العادات والتقاليد والثقافات، و أنماط العيش الأخرى التي تساهم في تكوين شخصية الإنسان وطبائعه .
الظروف القاسية التي حالت بينه وبين إكمال دراسته والبيئة المغلقة التي عاش فيها جعلته يغلق على نفسه في عالم أساسه سراب لحظي يُعيَّشه الجنة ربما للحظات وربما لأيام وربما لأسابيع ،ومايدرينا ربما لشهور ، ولكن هل تتشابه فيها الأحداث والمجريات أم تختلف باختلاف الانخفاض والارتفاع في الترابط الذي كانت سيرا قد أدركت معناه و أصبح يظهر لها كحقيقة واضحة لا ملاذ منها ولا مناص من إخفائها أو إنكارها؟!
ولأن تلك المشاعر كانت تنمو وبسرعة هائلة فاقت الحدود كجنين أحبته أمه فاعتنت بجسمها وبأكلها وبصحتها حتى يكبر في أحشائها ،ويستمد قوته من حنوها وعطفها ، وهو لا يزال مضغة في رحمها .
ورغم تجاهلها للأمر ، ومحاولتها المتكررة بتشتيت تلك الفكرة التي أصبحت هاجسها الوحيد ،إلى أن القلق أخذ طريقه إليها والاشتياق نصب قيوده ليحاصرها من كل الجهات وذاك البريق في عينيها أصبح يفضح ما تحمله بين حناياها وفي عقر وجدانها .لم يكن عليها أن تخفي شوقها وشرودها المتواصل واضطرام مشاعرها أمام آسر القلوب ومفترس العقول.
لم تعد -سيرا-تلك المرأة القوية التي يضرب بها المثل أنها بألف رجل تلك المميزة بحسن تدبرها للأمور واحتوائها للأشياء التي تواجهها في لمحة بصر ومن دون سابق انذار استحالت إلى مجنون يرمي بعقله في البحر ليعيش اللحظة مع من أوقد فتيل الفتنة في قلب قد شل منذ زمن بعيد ، وفقد علامات الحياة .... حتى هو لم يكن يعرف ماكان يعنيه ل -سيرا- فالأسد الذي لا يعترف إلا بالقوة التي يراها بمنظوره . .فرؤياه تكمن في كونها منبع لاشباع احتياحات الذات ومتطلباتها الحياتية ،ولكن الغزالة هذه المرة ممزوجة بالكثير من النكهات ،والتوابل والتعويذات التي تعودن العجائز وضعها لصد أي هجوم افتراسي من أي جهة أخرى .
وكما هو معلوم أن الأسد ملك الغابة ذلك المزاجي المتقلب سرعان ماتنبثق منه صلابة وقوة وقسوة تغلفها في بعض الأحيان طبقة رقيقة جدا تظهر رقة وانصياعا سرعان ما يخفيه مزاجه المتقلب الذي ينغص خلوته، ويذكره بالقوانين التي يجب الالتزام بها في هذا العالم الرحيب بتشعباته .
ومن بين هذه القوانين التجرد الكلي من العاطفة والتقيد بالعقل الذي يراه عين الحكمة ،وتاج الاتزان وعنون التعلم والبحث ،والاكتشاف ناسيا أو متناسيا أنه لا يمكن له أن يتجرد من نبضات الاحساس لأنها أول مايستعمله الإنسان لادراك الأشياء التي نتعرف عليها شعوريا قبل ادراكها عقليا، فنستشعر بها مايحيط بنا لنعي في الأخير عقليا أن ذلك الشيء الذي يسري في دواخلنا اسمه ما لا يسمى ولا يعرف ولا يفهم إلا بعدما يستفحل ويتفاقم في الجسد كله ويتعدى إلى اللامعقول ، فيصير التعلق، والاندماج حتمية مطلقة لادخل لنا فيها،وما على الرسول الا البلاغ .....الجزء التاسع
فطيمة زهراء /الجزائر
السير الطويل والمحفوف بالمخاطر كالكسور ،الاضظرابات ،التوتر ،القلق ،البعد ،الاقتراب ،الضيق ،الأمل ..اليأس ...التهور ...الحماقة ....القبح..الطيبة كل الخلائط التي تشكل مضمون إنسان عايش الواقع بمساوئه وايجابياته...
كلها مفاهيم شعروا بها وعاشوها وتقاسموها من دون أن يعرفوا السبب الذي يدفع بكل واحد منهما لتحمل أعباء وهموم الطرف الأخر.
رغم أن السير كان طبيعيا والأمور بينهما كانت على مايرام إلى أن الطريق أصبح يحيد عن مبتغاه .
ليس كل مايتمناه المرء يدركه مقولة لطالما رددناه متحسرين على أحلام طمحنا إليها وفشلنا في تحقيقها.
الغريب أن -سيرا- رغم حنتكها ، وفطنتها لم تدرك أنهاستكون غزالة الأسد بكل ما يحمل هذا المخلوق من معاني القوة والضعف في آن واحد ،لم يحميها ذكاؤها منه ، فاندفاعه صوبها لم يكن تصرفا عشوائيا بل كان مدروسا جيدا
وله غاية وهدف كسابق عهده مع من طرق أبوابهم ، وتركهم يركضون خلف الأوهام .
لا أحد من ضحاياه كان يعرف مايصبو إليه ذلك الوالج اليهم .لا احد يعرف نيته ففي عالم واسع الأفق مزين بأرقى الكلام وأطيب الطباع يصعب التكهن بنوعية الشخصية التي أنت في صدد التعامل معها ، وفي وضع كهذا لا يسعنا سوى اتباع قلوبنا، فعادة القلوب الطيبة كثيرا ماتجذب الناس إليها، لأن هالة التواصل لديها كبيرة .
لكن -سيرا- كانت تعرف تماما مايريده هذا الفتى الشارد،فالحوار الهادف الصريح كفيل بأن يظهر لك بعض الأسرار حتى وإن كان الطرف الأخر يغض الطرف عنها ولم يتطرق إليها إلى أنها كانت تعرف أن مايرغب فيه يكمن في تلك الطاقة التي يراها الوقود الذي يعينه على مشواره الطويل المتعب للجسد والمرهق للوجدان.
فطموحه وتوقه إلى المعرفة كان مرتبط باختراقه للأنفس والتوغل فيها بقدر يسمح له بامتصاص قدراتها وتحويلها إلى طاقة تضاف إلى رصيده .
كان يجد في هذه الطريقة مصدر للعلم والتعلم وفي نفس الوقت دعما لمواطن الثقة في ذاته ،فبقدر معرفته للأشخاص بإختلاف ثقافتهم ومشاربهم بقدر ماازدادت خبرته ، وتوسعت مداركه من دون عناء أو تعب.
هذه الفكرة سيطرت عليه ،ولغت الكثير من النقاط الأساسية في تكوينه لأي علاقة إنسانية ،فأصبح هاجسه الوحيد كيف يستمتع بإثبات وجوده ،وفي نفس الوقت يوسع دائرة الفهم والتقبل والادارك لديه من خلال تبادله للأفكار مع أشخاص يختلفون عنه من ناحية العادات والتقاليد والثقافات، و أنماط العيش الأخرى التي تساهم في تكوين شخصية الإنسان وطبائعه .
الظروف القاسية التي حالت بينه وبين إكمال دراسته والبيئة المغلقة التي عاش فيها جعلته يغلق على نفسه في عالم أساسه سراب لحظي يُعيَّشه الجنة ربما للحظات وربما لأيام وربما لأسابيع ،ومايدرينا ربما لشهور ، ولكن هل تتشابه فيها الأحداث والمجريات أم تختلف باختلاف الانخفاض والارتفاع في الترابط الذي كانت سيرا قد أدركت معناه و أصبح يظهر لها كحقيقة واضحة لا ملاذ منها ولا مناص من إخفائها أو إنكارها؟!
ولأن تلك المشاعر كانت تنمو وبسرعة هائلة فاقت الحدود كجنين أحبته أمه فاعتنت بجسمها وبأكلها وبصحتها حتى يكبر في أحشائها ،ويستمد قوته من حنوها وعطفها ، وهو لا يزال مضغة في رحمها .
ورغم تجاهلها للأمر ، ومحاولتها المتكررة بتشتيت تلك الفكرة التي أصبحت هاجسها الوحيد ،إلى أن القلق أخذ طريقه إليها والاشتياق نصب قيوده ليحاصرها من كل الجهات وذاك البريق في عينيها أصبح يفضح ما تحمله بين حناياها وفي عقر وجدانها .لم يكن عليها أن تخفي شوقها وشرودها المتواصل واضطرام مشاعرها أمام آسر القلوب ومفترس العقول.
لم تعد -سيرا-تلك المرأة القوية التي يضرب بها المثل أنها بألف رجل تلك المميزة بحسن تدبرها للأمور واحتوائها للأشياء التي تواجهها في لمحة بصر ومن دون سابق انذار استحالت إلى مجنون يرمي بعقله في البحر ليعيش اللحظة مع من أوقد فتيل الفتنة في قلب قد شل منذ زمن بعيد ، وفقد علامات الحياة .... حتى هو لم يكن يعرف ماكان يعنيه ل -سيرا- فالأسد الذي لا يعترف إلا بالقوة التي يراها بمنظوره . .فرؤياه تكمن في كونها منبع لاشباع احتياحات الذات ومتطلباتها الحياتية ،ولكن الغزالة هذه المرة ممزوجة بالكثير من النكهات ،والتوابل والتعويذات التي تعودن العجائز وضعها لصد أي هجوم افتراسي من أي جهة أخرى .
وكما هو معلوم أن الأسد ملك الغابة ذلك المزاجي المتقلب سرعان ماتنبثق منه صلابة وقوة وقسوة تغلفها في بعض الأحيان طبقة رقيقة جدا تظهر رقة وانصياعا سرعان ما يخفيه مزاجه المتقلب الذي ينغص خلوته، ويذكره بالقوانين التي يجب الالتزام بها في هذا العالم الرحيب بتشعباته .
ومن بين هذه القوانين التجرد الكلي من العاطفة والتقيد بالعقل الذي يراه عين الحكمة ،وتاج الاتزان وعنون التعلم والبحث ،والاكتشاف ناسيا أو متناسيا أنه لا يمكن له أن يتجرد من نبضات الاحساس لأنها أول مايستعمله الإنسان لادراك الأشياء التي نتعرف عليها شعوريا قبل ادراكها عقليا، فنستشعر بها مايحيط بنا لنعي في الأخير عقليا أن ذلك الشيء الذي يسري في دواخلنا اسمه ما لا يسمى ولا يعرف ولا يفهم إلا بعدما يستفحل ويتفاقم في الجسد كله ويتعدى إلى اللامعقول ، فيصير التعلق، والاندماج حتمية مطلقة لادخل لنا فيها،وما على الرسول الا البلاغ .....الجزء التاسع
فطيمة زهراء /الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق